"بالأمس كان الجو حار جداً في قطر، الحرارة التي لا يكون بمقدورك التقاط أنفاسك بسببها. ذهبت في هذا الجو إلى مركز خدمات لأخلص معاملاتي، و انتظرت هناك لمدة ساعة، ليأتي دوري و يخبرني الموظف بأن أخلصها عند موظف آخر لأنها ليست من اختصاصه! راجعت بعد ذلك الموظف الآخر الذي دلني عليه الموظف الأول، ليخبرني بأن الموضوع ليس من اختصاصه كذلك، و لا يعرف اختصاص من! سألته: إذاً، من أراجع؟! فرد علي: اسأل الاستقبال!". سأتوقف عن سرد هذه القصة التي قد تكون واقعية جداً لدى الكثير، و سأسأل: ماذا لو تم ارسال هذا الموقف كمقطع صوتي في مجموعة العائلة على الواتساب؟ على الأرجح أن البعض لن يعيره أي اهتمام أو أنهم سيتفهمون الموقف لأنهم قد مروا به من قبل. و لكن ماذا لو تلفظ رجل أعمال أجنبي (غير قطري) بهذا الموقف في حسابه على سناب شات؟ الأكيد بأن البعض سيركز على كل حرف و كلمة تم البوح بها لأنها انتقاد خرج من فوه أجنبي لا قطري!
هذه الموجة من عدم التسامح مع أي شيء يقوله أو يفعله الأجنبي، لا ترتفع اليوم في الخليج و حسب، بل في كل مكان حول العالم، وهي اليوم ترتفع أمتاراً طويلة مقارنة بالوضع قبل عشرين سنة مثلاً. و أسباب عدم التسامح تتعدد و لكن السبب الرئيس و الأهم هو وجود الاختلافات بين المواطن و الأجنبي، سواء أكان هذا الاختلاف في الجنسية أو اللون أو العرق أو المستوى المعيشي أو المعرفي أو العملي أو غيره.. المهم هو أن السبب هو الاختلاف.
الانسان لا يتعارض مع انسان يشبهه في الأمور الأساسية بالنسبة إليه، و لكنه قد يتعارض مع انسان يختلف معه في هذه الأمور. و التعارض و الاختلاف و حتى الخلاف وارد الحدوث بين الناس، فمن في هذا اليوم مثلاً بالتحديد لم يختلف مع شخص آخر في رأي واحد على الأقل؟! الحل لا يكون أبداً في الهجوم الشخصي و دعوات الطرد من البلد!
الأجدى هو معرفة أن السبب الحقيقي وراء كل هذه العصبية هو الاختلاف، و أن العقلية المنتشرة هذه الأيام و المتمثلة في "نحن" و "هم" هي ما تجعل هذا "الاختلاف" شيء لا يطاق.. و هو في الواقع اختلاف كأي اختلاف آخر.. بل أن الأمور المتشابهة بين الناس هي أكثر من الأمور المختلف فيها.. كما قال الله تعالى في سورة البقرة: (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ). (٢١٣).
مادام الغريب أديب، في تعبيره عن مشاعره و أفكاره و نقده و بعيداً عن الرغبة في الإضرار بالوطن.. لا يبقى إلا قبول اختلافه و الابتعاد عن الحساسيات التي تهدم الأمم و الأوطان.. و يا قريب كن فهيم!
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق