الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

حرية ناقصة!

 

 

 

نعيش اليوم في عالم اللاحدود.. الالكترونية على الأقل.. حيث يمكننا الوصول إلى كافة أنواع المعلومات و الصور و الفيديوهات و الكتب و الموسيقا.. و الأشخاص! اختراع الانترنت و الشبكة العنكبوتية العالمية (الويب) و ما صحبها من اختراعات أجهزة الكترونية ذكية و محمولة، و وسائل تواصل اجتماعي، وفر للناس فرصة و إمكانية الوصول و الاتصال بالآخرين حول العالم، بل و بين الأخ و أخيه في الغرفة المجاورة!

هذا الكم من القدرة للوصول إلى الاخرين و الاتصال بهم.. خلق حرية افتراضية للإنسان، تُمكنه من قول ما يريد في أي مكان على الانترنت في الوقت الذي يريد للشخص أو الأشخاص المستهدفين! طبعاً هي ليست حرية مُطلقة، هي حرية مُقيدة بقوانين البلاد التي يقطنها الفرد، و القوانين و السياسات التي تفرضها المواقع و وسائل التواصل الاجتماعي مثل منصة اكس (تويتر سابقاً) و الفيس بوك و انستجرام و تيك توك. و رغم أنها حرية مُقيدة-نوعاً ما-إلا أنها حرية عظيمة، خاصة لو أخذنا في عين الاعتبار، مدى إمكانية انتشار أي كلمة نقولها على الانترنت و وصولها من شرق الكرة الأرضية إلى غربها خلال دقائق!

هذه الحرية التي يشعر بها الانسان على الانترنت هي حرية مُطلقة و مُقيدة.. مطلقة بإمكانية نشر الآراء و القضايا التي يهتم بها الانسان في أي مكان، و مُقيدة في أنه لو أراد الفرد نشر آرائه على موقعه الخاص أو مواقع التواصل الاجتماعي أو أي مكان آخر على الانترنت، سيتوجب عليه الانصياع لسياسات و قوانين ذلك الموقع، و كل موقع يختلف عن الآخر، فالتك توك مثلاً، لا يتهاون في حظر الأشخاص الذين يخالفون القانون في مقاطعهم المصورة عبر منصاته، في الوقت نفسه الذي يُعتبر فيه حرية الوصول إلى الناس و التعبير عن الرأي، على منصة اكس، حق محفوظ للجميع. بل أن منصة اكس أزالت خيار حظر الآخرين من على التطبيق بدعوى أنه لا معنى لذلك! هذا المثال البسيط لتقييد لحريتنا، و جعلنا عاجزين عن منع غير المرغوبين في التواصل معنا عبر منصة اكس، يجعلنا نفكر بتفسير قوانين ولوائح وسائل التواصل الاجتماعي لماهية الضرر و اللاضرر الذي قد يسببه الفرد على "المجتمع" (في المنصة)، و تطبيقهم-في النهاية-القاعدة التي ينتهون إليها دون الاهتمام برغبات الفرد!

الحرية أصبحت حقاً اليوم لجميع من يستطيع الوصول إلى الانترنت و أدواته. وهي سلاح ذو حدين، من يريد أن يستعمل السلاح عليه أن يعرف بأنه قد ينطلق ضده إذا ما أساء استخدامه. فمساحة حرية الفرد اليوم على الانترنت قد تلتقي بمساحة غيره، و على الانسان أن يعرف كيف يتصرف في مدى مساحته، خاصة و أن هذه المساحة محكومة بقوانين و سياسيات "الغير" (دول/شركات كبرى)، و مخالفة هذه الحرية التي أعطوها للفرد ثم قيدوها.. قد ينتج عنها مشاكل كان من الممكن تفاديها!

افهموا أن الحرية على الانترنت التي قد يتخيل البعض أنها مطلقة ليست كذلك! عالم الانترنت ليس ديموقراطية كاملة و ليس المدينة الفاضلة. حرية الانترنت، ناقصة، و دور الفرد كما في الحياة الحقيقية.. أن يطالب و يحافظ على حريته و ألا يتعدا على حرية غيره! الأمر بهذه البساطة!

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...